سورة يوسف - تفسير تفسير البقاعي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


ولما تم نصحه وعلا قدحه بإلقائه إليهما ما كان أهمّ لهما لو علما لمآله إلى الحياة الأبدية والرفعة السرمدية. أقبل على حاجتهما تمكيناً لما ذكره وتأكيداً للذي قرره، فناداهما بالأداة الدالة على أن ما بعدها كلام له موقع عظيم لتجتمع أنفسهما لسماع ما يلقى إليهما من التعبير، فقال: {ياصاحبي السجن} أي الذي تزول فيه الحظوظ ويحصل الانكسار للنفس والرقة في القلب فتتخلص فيه المودة.
ولما كان في الجواب ما يسوء الخباز، أبهم ليجوّز كل واحد أنه الفائز، فإن ألجأه إلى التعيين كان ذلك عذراً له في الخروج عن الأليق فقال: {أما أحدكما} وهو الساقي فيلخص ويقرب {فيسقي ربه} أي سيده الذي في خدمته {خمراً} كما كان {وأما الآخر} وهو الخباز.
ولما كان الذي له قوة أن يصلب إنما هو الملك، بنى للمفعول قوله: {فيصلب} ويعطب {فتأكل} أي فيتسبب عن صلبه أنه تأكل {الطير من رأسه} والآية من الاحتباك: ذكر ملزوم السلامة والقرب أولاً دليلاً على العطب ثانياً، وملزوم العطب ثانياً دليلاً على السلامة أولاً، وسيأتي شرح تعبيره من التوراة، فكأنه قيل: انظر جيداً ما الذي تقول! وروى أنهما قالا: ما رأينا شيئاً، إنما كنا نلعب، فقال مشيراً بصيغة البناء للمفعول إلى عظمة الله وسهولة الأمور عليه: {قضي الأمر} وبينه بقوله: {الذي فيه} أي لا في غيره {تستفتيان} أي تطلبان الإفتاء فيه عملاً بالفتوة، فسألتما عن تأويله، وهو تعبير رؤياكما كذبتما أو صدقتما، لم أقله عن جهل ولا غلط. وما أحسن إيلاء هذا العلم الثابت لختم الآية السالفة بنفي العلم عن الأكثر، والأحد: المختص من المضاف إليه بمبهم له مثل صفة المضاف، ولا كذلك البعض فلا يصدق: رأيت أحد الرجلين- ألا برجل منهما، بخلاف بعض والفتيا: الجواب بحكم المعنى، وهو غير الجواب بعلته- ذكره الرماني. ولعل رؤيتهما تشيران إلى ما تشير إليه رؤيا الملك، فالعصير يشير إلى السنابل الخضر والبقر السمان، لأنه لا يكون إلا عن فضل، والخبز- الذي طارت به الأطيار، وسارت بروح صاحبه الأقدار-يشير إلى اليابسة والعجاف- والله أعلم.
ولما كان كل علم بالنسبة إلى علم الله عدماً، عبر عن علمه بالظن، ويمكن أن يكون الظن على بابه لكونه قال ما مضى اجتهاداً بقرائن فيؤخذ منه أنه يسوغ الجزم بما أدى إلى ظن، فقال: {وقال} أي يوسف عليه الصلاة والسلام {للذي ظن} مع الجزم بأنه أراد به العلم لقوله: {قضى الأمر}، ويجوز أن يكون ضمير {ظن} للساقي، فهو حينئذ على بابه {أنه ناج منهما} وهو الساقي {اذكرني عند ربك} أي سيدك ملك مصر، بما رأيت مني من معالي الأخلاق وطهارة الشيم الدالة على بعدي مما رُميت به، والمراد بالرب هنا غير المراد به في قوله:
{أرباب متفرقون} [يوسف: 39]. فنجا الساقي وصلب صاحبه وفق ما قال لهما يوسف عليه الصلاة والسلام {فأنساه} أي الساقي {الشيطان} أي البعيد من الرحمة المحترق باللعنه {ذكر} يوسف عليه الصلاة والسلام عند {ربه} أي بسبب اعتماده عليه في ذلك {فلبث} أي يوسف عليه الصلاة والسلام بسبب هذا النسيان {في السجن} من حين دخل إلى أن خرج {بضع سنين} ليعلم أن جميع الأسباب إنما أثرها بالله تعالى، وحقيقة البضع من الثلاث إلى التسع، والمروي هنا أنه كان سبعاً.
ذكر ما مضى من هذه القصة من التوراة:
قال بعد ما مضى: فأهبط المدينيون يوسف إلى مصر، فاشتراه قوطيفر الأمير صاحب شرطة فرعون- رجل مصري- من يد الأعراب الذين أهبطوه إلى هناك، فكان الرب سبحانه وتعالى بعونه مع يوسف، وكان رجلاً منجحاً، وأقام في منزل المصري سيده، فرأى سيده أن الرب بعونه معه، وأن الرب ينجح جميع أفعاله، فظفر يوسف منه برحمة ورأفة فخدمه، وسلطه على بيته، وخوله جميع ما له، ومن اليوم الذي سلطه على بيته وخوله جميع ما له بارك الرب في بيت المصري من أجل يوسف وفي سببه، فحلَّت بركة الرب في جميع ما له في البيت والحقل، فخول كل شيء له، ولم يكن يعلم بشيء مما له في يده لثقته به ما خلا الخبز الذي كان يأكله، وكان يوسف حسن المنظر صبيح الوجه.
فلما كان بعد هذه الأمور لمحت امرأة سيده بنظرها إلى يوسف فقالت له: ضاجعني: فأبى ذلك وقال لامرأة سيده: إن سيدي لثقته بي ليس يعلم ما في بيته، وقد سلطني على جميع ما له، وليس في هذا البيت أعظم مني، ولم يمنعني شيئاً ما خلاك أنت لأنك امرأته، فكيف أرتكب هذا الشر العظيم، فأخطئي بين يدي الله، وإذا كانت تراوده كل يوم لم يطعها ليضاجعها ويصير معها، فبينا هو ذات يوم دخل يوسف إلى البيت ليعمل عملاً، ولم يكن أحد من أهل البيت هناك، فتعلقت بقميصه وقالت له: ضاجعني، فترك قميصه في يدها وهرب، فخرج إلى السوق، فلما رأت أنه قد ترك قميصه في يدها وخرج هارباً إلى السوق، دعت بأهل بيتها وقالت لهم: انظروا، إنه أتانا رجل عبراني ليفضحنا، لأنه دخل عليّ يريد مضاجعتي، وهتفت بصوت عال، فلما رآني قد رفعت صوتي وهتفت، ترك قميصه في يدي وهرب إلى السوق.
فصيرت قميصه عندها حتى دخل سيدها البيت، فقالت: له مثل هذه الأقاويل: دخل عليّ هذا العبد العبراني الذي جلبته علينا يريد يفضحني، فلما رفعت صوتي فصحت ترك قميصه في يدي وهرب فخرج إلى السوق؛ فلما سمع سيده كلام امرأته استشاط غيظاً، فأمر به سيده فقذف في الحبس الذي كان أسرى الملك فيه محبوسين فمكث هناك في السجن، وكان الرب يبصره، ورزقه المحبة والرحمة، وألقى له في قلب السجان رحمة، فولى يوسف جميع المسجونين الذين في الحبس، وكل فعل كانوا يفعلونه هناك كان عن أمره، ولم يكن رئيس السجن يضرب على يديه في شيء، لأن الرب كان بعونه معه، وكل شيء كان يفعله ينجحه الرب.
فلما كان بعد هذه الأمور، أذنب صاحب شراب ملك مصر والخباز- وفي نسخة موضع الخباز: ورئيس الطباخين- بين يدي سيدهما ملك مصر، فغضب فرعون على خادميه: على رئيس أصحاب الشراب ورئيس الخبازين- وفي نسخة: الطباخين- فأمر بحبسهما في سجن صاحب الشرط في الحبس الذي كان فيه يوسف، فسلط صاحب السجن يوسف عليهما فخدمهما، فلبثا في السجن أياماً، فرأيا رؤيا جميعاً، كل واحد منهما رئيا بكل في ليلة واحدة، وكل واحد منهما أحب تعبير حلمه،: الساقي وخباز- وفي نسخة: وطباخ- ملك مصر، فدخل عليهما يوسف بالغداة، فرآهما عابسين مكتئبين فسألهما وقال: ما بالكما يومكما هذا عابسي مكتئبين؟ فقالا له: إنا رأينا رؤيا وليس لها معبر، فقال لهما يوسف: إن علم التعبير عند الله، قصا عليّ.
فقص رئيس أصحاب الشراب على يوسف وقال له: إني رأيت في الرؤيا كأن حبلة بين يدي، في الحبلة ثلاثة قضبان، فبينا هي كذلك إذ فرعت ونبت ورقها، وأينعت عناقيدها، فصارت عنباً، وكأن كأس فرعون في يدي، فتناولت من العنب، فعصرته في كأس فرعون، وناولت الكأس فرعون، فقال له يوسف عليه السلام: هذا تفسير رؤياك: الثلاثة قضبان هي ثلاثة أيام، ومن بعد ثلاثة أيام يذكرك فرعون فيردك على عملك، وتناول فرعون الكأس في يده على العادة الأولى التي لم تزل تسقيه، فاذكرني حينئذ إذا أنعم عليك، وأنعم عليّ بالنعمة والقسط، فاذكرني بين يدي فرعون، وأخرجني من هذا الحبس، لأني إنما سرقت من أرض العبرانين سرقة، وحصلت في الحبس هاهنا أيضاً بلا جرم جاء مني. فرأى رئيس الخبازين- وفي نسخة: الطباخين- أنه قد فسر تفسيراً حسناً فقال يوسف: رأيت أنا أيضاً في منامي كأن ثلاثة أطباق فيها خبز درمك على رأسي، وفي الطبق الأعلى من كل مآكل فرعون مما يصنعه الخباز- وفي نسخة: عمل طباخ حاذق- وكان السباع والطير تأكلها من الطبق من فوق رأسي؛ فأجاب يوسف وقال له: هذا تفسير رؤياك: ثلاثة أطباق هي ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام يأمر فرعون بضرب عنقك وصلبك على خشبة، ويأكل الطير لحمك.
فلما كان اليوم الثالث- وهو يوم ولاد فرعون- اتخذ فرعون وليمة، فجمع عبيده وافتقد رئيس أصحاب الشراب ورئيس الخبازين- وفي نسخة: الطباخين- فأمر برد رئيس أصحاب الشراب على موضعه، وسقى فرعون الكأس كعادته، وأمر بصلب رئيس الخبازين كالذي فسر لهما يوسف عليهما الصلاة والسلام، فلم يذكر رئيس أصحاب الشراب يوسف عليه الصلاة والسلام ونسيه.


ولما بطل هذا السبب الذي أمر به يوسف عليه الصلاة والسلام، وهو تذكير الشرابي به، أثار الله سبحانه سبباً ينفذ به ما أراد من رئاسته وقضى به من سجود من دلت عليه الكواكب فقال دالاً على ذلك: {وقال الملك} وهو شخص قادر واسع المقدور إليه السياسه والتدبير، لملاه وهم السحرة والكهنة والحزرة والقافة والحكماء، وأكد ليعلم أنه محق في كلامه غير ممتحن: {إني أرى} عبر بالمضارع حكاية للحال لشدة ما هاله من ذلك {سبع بقرات سمان} والسمن: زيادة البدن من اللحم والشحم {يأكلهن سبع} أي بقرات {عجاف} والعجف: يبس الهزال {و} إني أرى {سبع}.
ولما كان تأويل المنام الجدب والقحط والشدة، أضاف العدد إلى جمع القلة بخلاف ما كان في سياق المضاعفة في قوله: {أنبتت سبع سنابل} [البقرة: 261] فقال: {سنبلات خضر و} إني أرى سبع سنبلات {أخر يابسات} التوت على الخضر فغلبت عليها، وكأنه حذف هذا لدلالة العجاف عليه؛ والسنبلة: نبات كالقصبة حملة حبوب منتظمة، وكأنه قيل: فكان ماذا؟ فقيل: قال الملك: {ياأيها الملأ} أي الأشراف النبلاء الذين تملأ العيون مناظرهم والقلوب مخابرهم ومآثرهم {أفتوني} أي أجيبوني وبينوا لي كرماً منكم بقوة وفهم ثاقب.
ولما كان مراده أن لا يخرجوا بالجواب عن القصد ولا يبعدوا به، عبر بما يفهم الظرف فقال: {في رؤياي} ومنعهم من الكلام بغير علم بقوله: {إن كنتم للرؤيا} أي جنسها {تعبرون} وعبارة الرؤيا: تأويلها بالعبور من علنها إلى سرها كما تعبر، من عبر النهر- أي شطه- إلى عبره الآخر، ومثله أولت الرؤيا- إذا ذكرت مالها ومرجعها المقصود بضرب المثال.
والمادة- بتراكيبها الستة: عرب، وعبر، ورعب، وربع، وبعر، وبرع- تدور على الجواز من محل إلى محل ومن حال إلى حال، وأكثر ذلك إلى أجود، فالعرب سموا لأن مبنى أمرهم على الارتحال لاستجادة المنازل، وأعرب- إذا أفصح، أي تكلم بكلام العرب فأبان عن مراده، أي أجازه من العجمة والإبهام إلى البيان، وأعرب الفرس- إذا خلصت عربيته، فكأنه جاز مرتبة الهجن إلى العرب، وكذا الإبل العراب، والعروبة: يوم الجمعة- لعلو قدرها عن بقية الأيام، والعروب: المرأة الضاحكة العاشقة لزوجها المتحببه إليه المظهرة له ذلك، وهي أيضاً العاصية لزوجها- لأن كل ذلك أفعال العرب، فهم أعشق الناس وأقدرهم على الاستمالة بالكلام العذب، وهم أعصى الناس وأجفاهم إذا أرادوا، والعرب- ويحرك: النشاط- لأنه انتقال عن الكسل، وقد عرب- كفرح- إذا نشط وإذا ورم، لأن الوارم يتجاوز هيئة غيره، وعربت البئر: كثر ماءها فارتفع، وعرب- كضرب: أكل، والعربة، محركة: النهر الشديد الجري، والنفس- لكثرة انتقالها بالفكر، والعربون: ما عقد به المبايعة من الثمن، فنقل السلعة من حال إلى حال، واستعربت البقر: اشتهت الفحل، إما من العروب العاشقة لزوجها، وإما لنقل الشهوة لها من حال إلى أخرى، وتعرب: أقام بالبادية، مع الأعراب الذين لا يوطنون مكاناً، وإنما هم مع الربيع، وعروباء: اسم السماء السابعة- لارتفاعها عن جميع السماوات، فكأنها جازت الكل، ولأن حركتها حركة للكل، والعرب- بالكسر: يبيس البهمي، لأنه صار أهلاً للنقل ولو بتطيير الهواء، والعربي: شعير أبيض سنبله حرفان- كأنه نسب إلى العرب لجودته، والإعراب: إجراء الفرس ومعرفتك بالفرس العربي من الهجين- لانتقال حال الجهل بذلك إلى حال العلم، وأن لا يلحن في الكلام- كأنه انتقل بذلك من العجمة إلى العربية، وعرب الرجل- بالكسر- إذا أتخم، وكذا الفرس من العلف، ومعدته: فسدت، وجرحه: بقي به أثر بعد البرء، كل ذلك ناقل من حال إلى غيرها، والتعريب: تهذيب المنطق من اللحن- كأنه رفع نفسه إلى العرب، وقطع سعف النخل- لأنه نقلها عن حالها إلى أصلح منه، وأن تكون الدابة على أشاعرها ثم تبزع بمبزع، والتعريب أيضاً والإعراب: ما قبح من الكلام، وتقبيح قول القائل كأنه حكم بزوال عربيته، وهما أيضاً الرد عن القبيح، وذلك إدخاله في خصال العرب التي هي معالي الأخلاق، وهما أيضاً النكاح، أو التعريض به لأن نقله من حال إلى حال وفعل إلى فعل قولاً وعملاً، والتعريب: الإكثار من شرب الماء الصافي، واتخاذ فرس عربي، وسما بها عريب، أي أحد يعرب؛ وعبر الرؤيا- إذا فسرها وأخبر بما يؤول إليه أمرها، كأنه جاز ظاهرها إلى بطن منها، وعبرت الكتاب أعبره عبراً: تدبرته ولم ترفع به صوتك، وعبرت النهر: قطعته من عبره- أي شطه- إلى عبره، والعبر أيضاً: الجانب، لأنه يعبر منه وإليه، والمعبر: سفينة يعبر عليها النهر وشط هيئ للعبور، وعبر القوم: ماتوا، والعبرة- بالكسر: العجب، وبالفتح: الدمعة قبل أن تفيض- كأن لها قوة الجري، أو هي تردد البكاء في الصدر أو الحزن بلا بكاء، لأن ذلك مبدأ جري الدمع؛ وفي مختصر العين: وعبرة الدمع: جريه، والعبرة: الدمع نفسه.
والعبر- بالضم ويحرك: سخة العين، والكثير من كل شيء، وبالجماعة- لأن ذلك جوازعن حد القلة، ولأنهم يجيزون ما شاؤوا، ومجلس عبر- بالكسر والفتح: كثير الأهل- من ذلك، وأيضاً هو أهل لأن يعبر بجماعته من حال إلى حال، وبامرأة مستعبرة- وتفتح الباء: غير محظية، أي هي أهل لجري العبرة، وناقة عبر أسفار- مثلثة قوية، وعبرت عن الرجل فتكلمت عنه- كأنك عبرت من خاطره إلى خاطر المخاطب، وعبرت الدنانير تعبيراً: وزنتها ولم تبالغ في وزنها- كأنك عبرت من الجهل بمقدارها إلى الظن، أو عابر سبيل، أحي مار؛ والشعري: العبور: نجم خلف الجوزاء، والعبور: الجذعة من الغنم- لأنها جازت سنة وتأهلت العبور مع الغنم وكانت في عدادها، والعبور: لأقلف- لأن كمرته عابرة في قلفته، وغلام معبر: لم يختن، ورجل عبر: كاد أن يحتلم ولم يختن بعد، أي كاد أن يصير إلى خذ البالغين على هذه الحال، وهي أن كمرته عابرة في قلفته، وعبر به الأمر تعبيراً: اشتد عليه- كأنه جاز من حالة الرخاء إلى الشدة وعبرت به أهلكته، والمعبرة- بالتخفيف: ناقة لم تنتج ثلاث سنين، فيكون أصلب لها- لأنها صارت أهلاً لأن يعبر عليها في الأسفار، والعبير ضرب من الطيب- لعبور ريحه، والزعفران- لعبور لونه وريحه، والعبرى: السدر النهري- لنباته في عبر النهر، والمعبر من الجمال: الكثير الوبر، ومن الشاء: التي لم تجز- كأنه لجواز الصوف عن حد جلدهما، وسهم معبر وعبير: كثير الريش- كأنه عبر عن حد العادة، والعبر- بالضم: الثكلى، لأنها أهل لإرسال العبرة، والسحاب التي تسير شديداً، والعقاب- لقوتها على قطع المسافات، ونبات عبر: الكذب والباطل- لسرعة زواله؛ ورعبت فلاناً: أفزعته، فهو مرعوب- لأنك أجزته من الأمن إلى الخوف، وسيل راعب: أي يملأ الوادي، وراعب: أرض، منها الحمام الراعبية، والحمام أيضاً لها قوة العبور بالرسائل من مكان إلى مكان، ورعبت الحمامة في صوتها ترعيباً: رفعته، ورعبت السنام: قطعته، والرعبوبة: قطعة منه- لأنها جازت مكانها، وجارية رعبوبة ورعبوب: حسنة القوام تامة- كأنها جازت أقرانها حسناً، والرعب: القصار، واحدهم رعيب وأرعب، تشبيه بالقطعة من السنام؛ والبعر: رجيع الخف والظلف إلا البقر الأهلية، لأنها تخثى، والوحشية تبعر بعراً- لأنه يجوز من مكانه من غير أن يلوثه، فلا يبقى منه به شيء، والمعبر، مكانه، والبعير: الجمل البازل أو الجذع، وقد يكون الحمار وكل ما يحمل؛ وفي مختصر العين: وإذا رأت العرب ناقة أو جملاً من بعيد قالوا: هذا بعير، فإذا عرفوا قالوا للذكر: جمل، وللأنثى: ناقة، والبعرة- بالتحريك: الكمرة، تشبيهاً بها، والربع: المنزل والدار بعينها، والمحلة- لأنها يخرج منها ويدخل إليها، ولذلك سميت متبوأ، لأنها يتبوأ إليها، أي يرجع، وربع يربع: أقام، وأربع على نفسك: انتظر، كأنه من الربع، أي المنزل، لأنه يقام فيه: وربع- إذا أخصب- للانتقال من حال إلى حال أخرى، وهم على ربعاتهم، أي استقامتهم وأمرهم الأول- كأنه من المنزل، والروبع- كجوهر: الضعيف الدنيء- كأن ذلك يلزم من الإقامة في المنزل، وبهاء: قصير العرقوب، والرجل القصير- كأنه تشبيه بالربعة في مطلق القصر عن الطويل، وربع الحجر: رفعه، والحمل: رفعه على الدابة، والمربوع: المنعوش المنفس عنه- لتحول الحال في كل ذلك، والمربعة: خشبة يرفع بها العدل، والمرابعة: أن تأخذ يد صاحبك وترفعا الحمل على الدابة- كأنه مع النقل مأخوذ من الأربعة، وهي أيضاً المعادلة بالربيع، ومنه تربعت الناقة سناماً طويلاً، أي حملته، وربيع الشهور: شهران بعد صفر، وربيع الفصول اثنان الذي فيه النور والكمأة، والذي تدرك فيه الثمار- للانتقال في كل منهما، والربع- كصرد: الفصيل ينتج في الربيع، وناقة مربع: ذات ربع، وأربع القوم: صاروا أربعة، ودخلوا في الربيع، وأقاموا في المربع، وربعت الأرض: أصابها مطر الربيع، والمرابيع: الأمطار أول الربيع، وأربع الرجل- إذا ولد له في شبابه، تشبيهاً للشباب بالربيع، وناقة مرباع- إذا كانت عادتها أن تنتج في ربعية القيظ، والربعية: أول الشتاء، والربيع: الجدول- لجريه وإنبات ما حوله، وجمعه أربعاء، والحجر يشيلونه لتجربة القوى، والرابع تلو الثالث- لأنه جاز الجمع، ووتر وحبل مربوع: مفتول على أربع قوى، وربعتُ القوم أربعهم: صرت رابعهم، والأربعاء: يوم، والمرباع: ربع الغنيمة الذي كان يأخذه الرئيس، والرباعية- كثمانية: السن بين الثنية والناب، وعدتها أربع، وكل ما بلغ الأربعة رباع كثمان، ويقول للغنم في الرابعة وللبقر والحافر في الخامسة وللخف في السابعة: أربعت، كأنه لا يجوز في كل نوع من حد الصغر إلى الكبر إلا بذلك، وأربع الفرس: ألقى رباعيته، وحمى ربع: تأتي في اليوم الرابع، وقد ربع الرجل وأربع، وهو معنى ما قال في القاموس: وربعته الحمى: أخذته الحمى يوماً بعد يومين، لأن يومها الثاني هو رابع يومها الأول، والربعة- بالفتح: جونة العطار- لتضوع ريحها، والرجل بين الطويل والقصير- ويحرك- كالمربوع، لجوازه حد كل منهما، هذا إلى الطول، وهذا إلى القصر، وارتبع: صار ربعة، والربعة- محركة: أشد عدو الإبل، والمسافة بين أثافي القدر- لعبور كل منهما عن محل صاحبتها، وأربع ماء الركية: كثر، فجاز عن محله الأول، وعلى فلان: سأله ثم ذهب ثم عادوه، وعلى المرأة: كر إلى جماعها، والقوم إبلهم مكان كذا: رعوها وأرسلوها على الماء ترد متى شاءت، ويجوز أن يكون هذا أيضاً من الربيع، وأربعت الناقة- إذا استغلقت رحمها فلم تقبل الماء، كأنها أزالت العبور، أي الانتقال من حال إلى أخرى، والربيعة: البيضة من السلاح- لنقلها صاحبها إلى الحصانة، والروضة- لجواز النبت فيها عن حد الأرض، والمربع: شراع السفينة- لأنه آلة السير، والمربع: الرجل الكثير النكاح- لعبوره عن حالة الأولى، ولجلوسه بين الشعب الأربع، وتربع في جلوسه ضد جثا، إما لأنه صار على شكل المربع، وإما أخذا من الربع إلى المنزل، لأنها جلسة المقيم في منزله، وتربعت النخيل: خرقت وصرمت- لتحول حالها، واستربع الرمل: تراكم، إما لجوازه عن حاله الأولى، وإما من الإقامة في الربع، واستربع الغبار، ارتفع، والبعير للمسير: قوى عليه وصبر، والرجل بالأمر: استقل وصبر، وفلان يقيم رباعة قومه، أي شأنهم وحالهم أي يجيزهم من حال إلى أخرى، ومضى من بني فلان ربوع بعد ربوع، أي أحياء بعد أحياء، إما لأن ذلك جواز من دار إلى دار وحال إلى حال، وإما على حذف مضاف، أي أهل ربوع منازل، واليربوع: دابة كالفأرة، إما لشدة جريها، وإما لجعلها نافقاءين تهرب من أيهما شاءت، فهي عبارة منتقلة بالقوة وإن كانت ساكنة، واليربوع: لحمة المتن- كأنه مشبه بالدابة؛ وبرع الرجل- مثلثة: فاق أصحابه في علم أو غيره، أو تم في كل فضيلة وجمال، وهذا أبرع منه: أضخم- لأنه جاز مقداره، والبارع: الأصيل الجيد الرأي، وتبرع بالعطاء: تفضل بما لا يجب عليه من عند نفسه كأنه جاز رتبة الواجب- والله أعلم.
وفي الآية ما يوجبه حال العلماء من حاجة الملوك إليهم، فكأنه قيل: فما قالوا؟ فقيل: {قالوا} هذه الرؤيا {أضغاث} أي أخلاط، جمع ضغث- بكسر الضاد وإسكان الغين المعجمة، وهو قبضه حشيش مختلطة الرطب باليابس {أحلام} مختلفة مشتبهة، جمع حلم- بضم الحاء وإسكان اللام وضمه، وهو الرؤيا- فقيدوها بالأضغاث، وهو ما يكون من الرؤيا باطلاً- لكونه من حديث النفس أو وسوسة الشيطان، لكونها تشبه أخلاط النبات التي لا تناسب بينها، لأن الرؤيا تارة تكون من الملك وهي الصحيحة، وتارة تكون من تحريف الشيطان وتخليطاته، وتارة من حديث النفس؛ ثم قالوا: {وما نحن} أي بأجمعنا {بتأويل} أي ترجيع {الأحلام} أي مطلق الأضغاث وغيرها، وأعرقوا في النفي بقولهم: {بعالمين} فدلسوا من غير وجه، جمعوا- وهي حلم واحد- ليجعلوها أضغاثاً لا مدلول لها، ونفوا عن أنفسهم العلم المطلق المستلزم لنفي العلم بالمقيد بعد أن أتوا بالكلام على هذه الصورة، ليوهموا أنهم ما جهلوها إلا لكونها أضغاثاً- والله أعلم؛ والقول: كلام متضمن بالحكاية في البيان عنه، فإذا ذكر أنه قال، اقتضى الحكاية لما قال، وإذا ذكر أنه تكلم، لم يقتض حكاية لما تكلم به، ومادة حلم بجميع تقاليبها تدور على صرف شيء عن وجهه وعادته وما تقتضيه الجبلة- كما يأتي في الرعد في قوله: {شديد المحال} [الرعد: 13].


ولما كان هذا حالاً مذكراً للساقي بيوسف عليع الصلاة والسلام- أخبر سبحانه بأنه ذكره بعد نسيانه، فقال عادلاً عن الفاء إيذاناً بأنه من الملا: {وقال الذي نجا} أي خلص من الهلاك {منهما} أي من صاحبي السجن، وهو الساقي {و} الحال أنه {ادكر} بالمهملة، أي طلب الذكر- بالمعجمة، وزنه افتعل {بعد أمة} من الأزمان، أي أزمان مجتمعة طويلة {أنا أنبئكم} أي أخبركم إخباراً عظيماً {بتأويله} أي بتفسير ما يؤول إليه معنى هذا الحلم وحده كما هو الحق، وسبب عن كلامه قوله: {فأرسلون} أي إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فإنه أعلم الناس، فأرسلوه إليه؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: ولم يكن السجن في المدينة، فأتاه فقال الساقي المرسل بعد وصوله إليه منادياً له بالنداء القرب تحبباً إليه: {يوسف} وزاد في التحبب بقوله: {أيها الصديق} أي البليغ في الصدق والتصديق لما يحق تصديقه بما جربناه منه ورأيناه لائحاً عليه {أفتنا} أي اذكر لنا الحكم {في سبع} وميز العدد بجمع السلامة الذي هو للقلة- كما مضى لما مضى- فقال: {بقرات سمان} أي رآهن الملك {يأكلهن سبع} أي من البقر {عجاف} أي مهازيل جداً {و} في {سبع سنبلات} جمع سنبلة، وهي مجمع الحب من الزرع {خضر و} في سبع {أخر} أي من السنابل {يابسات} وساق جواب السؤال سياق الترجي إما جرياً على العوائد العقلاء في عدم البتّ في الأمور المستقبلة، وإما لأنه ندم بعد إرساله خوفاً من أن يكون التأويل شيئاً لا يواجه به الملك، فعزم على الهرب- على هذا التقدير، وإما استعجالاً ليوسف عليه الصلاة والسلام بالإفتاء ليسرع في الرجوع، فإن الناس في غاية التلفت إليه، فقال: {لعلي أرجع إلى الناس} قبل مانع يمنعني.
ولما كان تصديقهم ليوسف عليه الصلاة والسلام وعلمهم بعد ذلك بفضله وعملهم بما أمرهم به مظنوناً، قال: {لعلهم يعلمون} أي ليكونوا على رجاء من أن يعلموا فضلك أو ما يدل ذلك عليه من خير أو شر فيعلموا لكل حال ما يمكنهم عمله، فكأنه قيل: فما قال له؟ فقيل: {قال}: تأويله أنكم {تزرعون} أي توجدون الزراعة. فهو إخبار بمغيب، فهو أقعد في معنى الكلام، ويمكن أن يكون خبراً بمعنى الأمر {سبع سنين دأباً} أي دائبين مجتهدين- والدأب: استمرار الشيء على عادته- كما أشارت إليه رؤياك بعصر الخمر الذي لا يكون إلا بعد الكفاية، ودلت عليه رؤيا الملك للبقرات السمان والسنابل الخضر، والتعبير بذلك يدل على أن هذه السبع تكون- كما تعرفون- من أغلب أحوال الزمان في توسطه بخصب أرض وجدب أخرى، وعجز الماء عن بقعة وإغراقه لأخرى- كما أشار إليه الدأب: ثم أرشدهم إلى ما يتقوون به على ما يأتي من الشر، فقال: {فما حصدتم} أي من شيء بسبب ذلك الزرع- والحصد: قطع الزرع بعد استوائه- في تلك السبع الخصبة {فذروه} أي اتركوه على كل حال {في سنبله} لئلا يفسد بالسوس أو غيره {إلا قليلاً مما تأكلون} قال أبو حيان: أشار برأي نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل- انتهى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8